كَانَ لِلسَّعيِ فِي تَطبيقِ الخَاصِيَّةِ الثَّانِيَةِ لِلُّغَةِ المِثَالِيَّةِ (أَي : إمكَانِيَّةِ إنشَاءِ التَّعابيرِ المُعَقَّدَةِ مِن أَجزَائِهَا البَسيطَة) أَثَراً جَانِبياً سَلبياً إذ أَدَّتْ إلَى القُصورِ عَن إيجادِ مَعنىً بَديهيٍ مُناسِبٍ لِلجُمَلِ الشَّرطِيَّةِ يُمكِنُهُ أَن يَكونَ مُكافِئاً لِمَعنَى هَذهِ الجُمَلِ فِي اللُّغَةِ الطَّبيعِيَّة
.لِنوضِّحَ هَذَا بِمِثَال
:لِتَكُنْ
“ج3=”إذَا طَلَعَ النَّهَارُ صَارَ الجوُّ دَافِئاً
:بِوَضعِ
“ج4=”النَّهارُ طَالِعٌ
“ج5=”الجوُّ دَافِيءٌ
:يُمكِنُ كِتَابَةُ الجُّملَةِ صُوريّاً بِالشَّكلِ التَّالِي
(حَيثُ يُمَثِّلُ الرَّمزُ : “–>” العَلَاقَةَ الشَّرطِيَّة)
ج3=ج4 –> ج5
هَذِهِ العَلاقَةُ – المُسَمَّاةُ تَقليدِيّاً: الشَّرطِيَّةَ المَادِيَّةَ – لَهَا جَدوَلُ الحَقيقَةِ التَّالِي فِي مَنطِقِ فريجة
ج3=ج4–>ج5 | ج5 | ج4 |
صواب | خطأ | خطأ |
صواب | صواب | خطأ |
خطأ | خطأ | صواب |
صواب | صواب | صواب |
شكل – 5
وَهوَ يَجعَلُ “ج3” صَحيحَةً حَتَّى وَإن لَم يَتَحَقَّقْ الشَّرطُ “ج4” وَيَسمَحُ لِجُمَلٍ مِثلِ
“ج6=”إذَا كَانَتْ الأَرضُ مُسَطَّحَةً فَإنَّ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَان
أَن تَكونَ صَحيحَة
:بَلْ إنَّ جُمَلاً لَا ارتِبَاطَ فِيهَا بِالمَرَّةِ بَينَ أَركانِ الشَّرطِ مِثلَ
“ج7=”إذَا كَانَ مُحَرِّكُ السَّيارَةِ جَيِّداً فَإنَّ الدَّلَافينَ مِنَ الثَّدِييَّاتِ
تَكونُ صَحيحَةً أَيضا
يَكمُنَ السَّبَبُ فِي أَنَّ تَطبيقَ الخَاصيَّةِ الثَّانيَةِ بِالطَّريقَةِ التَّحليلِيَّةِ يَشتَرِطُ إعطَاءَ قِيَمٍ لِكُلِّ إمكَانِيَّاتِ جَدوَلِ الحَقيقَةِ حَتَّى وَإن كَانَتْ تِلكَ الإمكَانِيَّاتِ لَا تُؤَدِّي غَرَضاً مَنطِقِيّاً وَاضِحاً أَو تَتَعَارَضُ مَعَ البَديهَة
وَبَينَمَا يُمكِنُ فَهمُ أَنَّنَا نَحكُمُ عَلَى الجُّمَلِ الشَّرطِيَّةِ بِالصَّوابِ وَالخَطَأِ حِينَ تَتَحَقَّقُ الشُّروطُ فِيهَا (إمَّا بِاللُّزومِ أَو بِالإمكَانِ) لَيسَ وَاضحاً مَا تَعنِيهِ هَذهِ الجُمَلُ حِينَ لَا َتكونُ الشُّروطُ مُحَقَّقَةً أَو حَتَّى حِينَ تَستَحيلُ نَفسُ الشُّروط
وَقَد يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهنِ أنَّ هَذِهِ مُشكِلَةٌ جَانبيَّةٌ يُمكِنُ تَخَطِّيهَا بِمُحَاوَلَةِ إيجَادِ قِيَمٍ لِلصَّوابِ وَالخَطَأِ تُناسِبُ البَديهَةَ بِشَكلٍ أكبَر
لَكِنَّ وَاقِعَ ارتِبَاطِ القِيمَةِ النِّهَائيَّةِ لِلجُمَلِ بِالصَّوابِ وَالخَطَأِ فَقَط دُونَ اعتِبَارٍ ِللمَعَانِي اللُّغَويَّةِ أَو المَنطقيَّةِ لِلشَروطِ وَالنَّتَائِجِ (وَهوَ الفَرضُ الأساسِيُّ الَّذِي يَسمَحُ ب”حِسَابِهَا” مِن مُكَوِّنَاتِهَا حَسبَ النَّظرَةِ المَّاديَّةِ المَنطِقِيَّةِ) جَعَلَتهَا مُشكِلَةً جَوهَريَّةً لَيسَ لَهَا فِي المَنطِقِ الحَديثِ حَلٌّ وَاضِحٌ سِوَى إضمَارِ مَعَانٍ لِلشُّروطِ خَارِجَ المَنظومَةِ الصُّوريَّة بِأكمَلِهَا
الجَديرُ بِالذِّكرِ فِي هَذَا السِّياقِ أنَّ المَنطِقَ الأرِسطِيَّ بَعيدٌ عَن هَذِهِ المُشكِلَةِ (وَلنُسَمِّهَا هُنا: مُشكِلَةَ “الشَّرطِ المَادِّيِ”) لِأنَّهُ غَيرُ مُلزَمٍ بِأَخذِ كُلِّ إمكَانِيَّاتِ أَجزاءِ هَذِهِ الجُّمَلِ في الاعتِبَارِ وَيَكتَفِي فَقَط بِالحُكمِ عَلَى قِيمَةِ هَذِهِ الجُّمَلِ إيجَابِيّاً حِينَ تَتَحَقَّقُ الشُّرُوط
يَكمُنُ السرُّ فِي ذَلِكَ فِي الأَولَوِيَّةِ الَّتِي تُعطِيهَا الطَريقَةُ الأَرِسطِيَّةُ لِلمَقُولَاتِ نَفسِهَا (12) بَدَلاً مَنَ العَمَليَّاتَ المُنشِأَةِ لِهَذِهِ المَقولَات
وَقَد قَامَ أَرِسطو (13) بِوَصفِ الصُّوَرِ الخَاطِئةِ الَّتِي يُمكِنُهَا أَن تَظهَرَ عِندَ اعتِبَارِ مَعَانِي الجُّمَلِ الشَّرطِيَّةِ دُونَ النَّظَرِ إلَى تَحَقُّقِ الشُّروطِ فِيهَا وَقَرَّرَ أنَّ التَّعابيرَعَلَى شَاكِلَةِ
((عكس (ت –> عكس (ت
صَحيحَةٌ دَائماً وَعَدَّهَا بَعضُ تَلَامِذَتِهِ حَقيقَةً مَنطِقِيَّة
القَارِيءُ المُطَّلِعُ يُمكِنُهُ أَن يُلَاحِظَ بِسُهولَةٍ أنَّ “ت” لا يُمكِنُ أَن يُمَثِّلَ تَعبيراً صَالِحاً فِي مَنطِقِ فريجة لِأنَّهُ بِحَسبِ جَدوَلِ الحَقيقَةِ المَنطِقيَّةِ
(ت –> عكس(ت)) ≡ عكس(ت)
أَمَّا ابنُ سِينَا (14) فَأَسهَبَ فِي التَّفريقِ بَينَ مَعَانِي الجُّمَلِ الشَّرطِيَّةِ المَقبولَةِ
1- قَسَّمَ الجُّمَلَ الشَّرطِيَّةَ إلَى جُمَلِ تَصِفُ “الإتِّباعَ” أَو “العِنادَ” بَينَ طَرَفَيِّ الشَّرطِ وَأَسمَى الجُّمَلَ مِن النَّوعِ الأَوَّلِ: الشَّرطِيَّةَ المُتَّصِلَةَ وَالجُّمَلَ مِن النَّوعِ الثَّانِي: الشَّرطِيَّةَ المُنفَصِلَة
وَبَينَمَا لَا تَعنِينَا فِي هَذَا السِّيَاقِ الجُّمَلُ الشَّرطِيَّةُ المُنفَصِلَةُ (الَّتِي تُشبِهُ فِي المَنطِقِ الحَديثِ مَعَانِيَ جُمَلِ الانفِصَالِ المُرتَبِطَةِ بِالعَمَلِيَّةِ المَنطِقِيَّةِ : “أَو”) يُناقِشُ ابنُ سِينَا الجُّمَلَ الشَّرطِيَّةَ المُتَّصِلَةَ بِشَكلٍ تَفصِيلِيٍّ يَتَطَرَّقُ فِيهِ للِإشكَالِيَّةِ السَّابِقَة
2- إعتَبَرَ أنَّ عَلَاَقةَ الشُّروطِ بِالنَّتَائجِ فِي الجُّمَلِ الشَّرطِيَّةِ المُتَّصِلَةِ هِيَ إمَّا عَلَاقَةُ لُزومٍ أَو إتِّفَاق
أَمَّا عَلَاقَةُ الاتِّفَاقِ فَلَهَا نَفسُ مَعنَى عَلَاقَةِ الاقتِرانِ التَّقليديَّةِ (الشَكلُ -4) لأَنَّ الشُّروطَ فِيهَا لَيسَتْ كَافِيَةً لِتَحقيقِ النَّتَائِجِ وَإنَّمَا “اتَّفَقَتْ” صِحَّتُهَا مَعَ صِحَّةِ النَّتَائِجِ فَقَط
وَأمَّا عَلاقَةُ اللُّزومِ فَيُشبِهُ مَعنَاهَا عَلَاقَةَ الشَّرطِ المَّاديّ (شكل – 5) مَعَ إضمَارِ مَعنَى لُزومِ تَحَقُّقِ النَّتَائِجِ حِينَ تَتَحَقَّقُ الشُّروط
بِحَسبِ إبنِ سينا تَكونُ الجُّملَةُ “ج7” إذاً خَاطِئةً لِعَدَمِ وُجودِ عَلاقَةٍ بَينَ مُحَرِّكِ السَّيارةِ وَالدَّلَافِين
3- رَأَى أَنَّ أَركَانَ الشَّرطِ المُتَّصِلِ لَا تُمَثِّلُ بِذَاتِهَا جُمَلاً مَنطقيَّةً كَاملَةً تَحتَمِلُ مَعنَى الصِّحةِ أَو الخَطَأِ لِأَنَّ الأَصلَ فِيهَا هُو الحُكمُ عَلَى نَوعِ العَلَاقَةِ (إتِّفَاقٍ أَو لُزومٍ) بَينَ طَرَفَينِ وَلَيسَ تَحَقُّقُ الطَّرَفَينِ مِن عَدَمِه
وَهوَ بِهَذا يَرى إمكانيَّةَ تَحويلِ الجُّمَلِ الشَّرطيَّةِ إلى جُمَلِ فِئاتٍ وَإضافَةِ أسوارٍ كُليَّةٍ وَجُزئيَّةٍ لِهَا – مُتَعَلِّقَةٍ بِلزُومِ وإمكانِ الحَالاتِ – كَأنْ يُقَالُ
“كُلَّمَا أشرقَتْ الشَّمسُ طَلَعَ الصَّبَاحُ”
“أَو “قَد تُمطِرُ الدُّنيَا حِينَ تُشرِقُ الشَّمسُ
نَخلُصُ مِن كُلِّ هَذَا أنَّ مَنطِقَ فريجة مَثَّلَ – بِالنَّظَرِ إلَى مَعنَى الجُّمَلِ الشَّرطِيَّةِ – تَرَاجُعاً وَاضِحاً عَن المَنطِقِ الأرِسطِيِّ أَو السِّينَوِيِّ وَهُو مَا أَدَّى بِبَعضِ المَنَاطِقَةِ المُعَاصِرينَ (أُنظُر : 14 مَثلاً) إلَى المُطَالَبَةِ بِتَوسِعَته بِإضفَاءِ مَعنىً لَابُنيَويٍّ أرسطيٍ عَلَى مثل هَذِهِ الجُّمَلِ